أنا عايز..

الخطوة المنطقية التانية بعد ما تعرف احتياجك، وتعرف إنت محتاجه ليه.. ومن مين.. ومن إمتى.. هى انك تعوزه.. يعنى تطلبه.. تطلبه من الطرف التانى (أو من نفسك) بوضوح وبشكل مباشر.. والخطوة دى مش سهلة على الإطلاق.. لأنها بتحمل فى طياتها بعض المخاطر..

تعال نشوف تاريخها الأول.. علشان تعرف هى مش سهلة ليه.. وإيه مخاطرها..

 تفتكر زمان وانت طفل صغير، لما كنت بتحتاج حاجة، بتعمل إيه؟

لما كنت تبقى محتاج تاكل: كنت بتعيط.. أو تمسك بطنك.. أو تقول أنا جعان..

لما كنت تبقى محتاج تنام: كنت برضه بتعيط.. أو تبدأ تغلس علي اللى حواليك.. أو تدخل فى النوم فجأة..

طيب.. ولما كنت تبقى محتاج تتحب؟ كنت تقرب من والدك أو والدتك.. وتتمسح فيهم، وتنام فى حضنهم..

ولما كنت تبقى محتاج يُهتم بيك؟ كنت تيجى قدامهم، وتتنطط، وتتشقلب، أو تقعد تحكى عن نفسك شوية..

ولما كنت تبقى محتاج تتشاف؟ كنت تقولهم بصولى.. شوفونى.. أنا أهو..

ولما كنت تبقى محتاج تتسمع؟ كنت تقولهم اسمعونى.. محدش يتكلم.. اسمعونى أنا..

طبعاً كل ده كان ممكن يبقى مصحوب بسيمفونية رائعة من الصراخ والعويل، لإضفاء موسيقى تصويرية مثيرة على الأحداث..

اللى بيحصل بقى من الأب والأم كرد فعل لطلبك إن احتياجاتك دى تلبى، هو اللى ممكن يشكل حل رائع أو مشكلة معقدة..

الأب والأم (أو من يقوم بدورهما) ممكن يلبوا عوازانات (طلبات) الطفل بشكل كافى وبدرجة مُرضية.. وممكن يرفضوها ويرفضوه أو يهددوه أو يعاقبوه.. وهنا تبدأ المشكلة..

يعنى هو مطلوب من الأباء والأمهات إنهم يلبوا كل طلبات أطفالهم؟

لا طبعاً.. محدش قال كده.. ده يبقى جنان..

أنا باتكلم عن الاحتياجات والطلبات الأساسية فى الحب والاهتمام والقبول والاحترام.. مش إنك تسيب ابنك يلعب بالنار أو يحط إيده فى فيشة الكهربا.. ومش إنك تهلك نفسك وتحرقها لتلبية اللى هو عاوزه..

يعنى.. لما يعبر عن احتياجه للحب.. تحبه..

لما يطلب انك تهتم بيه.. تهتم بيه.. ماتطنشوش ولا تهمله..

لما يقولك شوفنى أو اسمعنى.. تشوفه وتسمعه.. وتفهمه وتحس بيه..

لما يعوز يتحضن.. تحضنه..

لما يعترض ويقولك (لأ).. تصبر عليه وتراجع نفسك..

ولما تكون مرهق أو تعبان.. توضحله بهدوء إنك مش قادر دلوقت.. وده هايعلمه هو كمان إنه مايحملش نفسه فوق طاقتها فى يوم من الأيام..

طيب نربى أولادنا إزاى وانت بتقول ماينفعش نرفض أو نعاقب؟

أنا ماقولتش كده خالص.. من حقك ترفض ومن حقك تعاقب (بمنتهى الرحمة) كجزء من التربية السليمة.. بس لما تيجى ترفض، ترفض تصرف أو سلوك معين.. مش ترفض ابنك كله على بعضه.. ومهم توصلّه إنك رافض التصرف ده بعينه.. أو السلوك ده بشكل خاص.. مش رافضه هو نفسه..

ولما تيجى تطلب منه حاجة.. مهم إنك تكون بتطلبها منه لحسابه هو مش لحسابك انت.. علشانه هو مش علشانك انت..

لكن للأسف مش ده اللى بيحصل دايماً.. اللى بيحصل غالباً حاجات تانية خالص..

بيحصل إن احتياجات الطفل تصطدم بعوازانات (رغبات وطلبات) الأهل.. يعنى هو يبقى (محتاج) يتشاف.. وأهله (عاوزينه) يسمع الكلام.. هو يبقى (محتاج) يتقبل بدون شروط.. وأهله (عاوزينه) يجيب الدرجة النهائية.. هو يبقى (محتاج) يفرح.. وأهله (عاوزينه) مايضحكش بصوت عالى.. هو يبقى (محتاج) يتسمع.. وأهله (عاوزينه) يوطى صوته..

ده بيولّد جوه الطفل صراع نفسي محتدم بين اللى هو (محتاجه) واللى أهله (عاوزينه).. ويربّى جواه خوف شديد يصل إلى حد الرعب أحياناً من عواقب إنه (يعوز) يلبى احتياجاته النفسية البسيطة أو(يطلب) إشباعها.. لأنه لما طلبها اترفض هو شخصياً (مش بس احتياجاته) واتهدد.. واتعاقب.. واتحرم.

الصراع ده بيتخزن ويفضل جوانا واحنا بنكبر.. ويطلعلنا بعد كده فى علاقاتنا مع الآخرين بمية شكل وبمليون طريقة.. يطلعلنا واحنا بنصادق.. يطلعلنا واحنا بنحب.. واحنا بنتجوز.. واحنا بنخلف..

يعنى لو نقلنا المشهد عليك دلوقت، احتمال تلاقى نفس الصراع ده موجود جواك فى بعض علاقاتك.. صراع (عايز) بس (خايف).. عايز أطلب احتياجاتى البسيطة من الحب والاهتمام والقبول والاحترام.. بس خايف لحسن ده يرفضنى أو ده يزعل منى أو ده يبعد عنى أو ده يسيبنى.. خناقة نفسية داخلية مؤرقة ومستهلكة ومعطلة على كل المستويات.

الخناقة دى بتخلينا نعمل حاجات صعبة جداً..

ممكن تخلينا نستسلم لعوزانات (طلبات ورغبات) الآخرين على حساب احتياجاتنا.. فنتنازل عن الاحترام فى مقابل رضا الطرف الآخر.. ونتنازل عن الاهتمام فى مقابل عدم حدوث مشاكل.. ونتنازل عن الحب فى مقابل استمرار العلاقة رغم فشلها الواضح..

مش بس كده.. ده ممكن من كتر الضغط .. نصدق إن رغبات الاخرين دى هى رغباتنا احنا شخصياً.. ويبقى عندنا رغبات مش بتاعتنا.. وطلبات غريبة علينا.. وعوازانات بعيدة تماماً عن احتياجاتنا الحقيقية.. يعنى تبقى (عايز) تكون أغنى واحد فى الدنيا، وتقعد تجمع فى فلوس بدون شبع.. وانت فى الحقيقة من جواك (محتاج) تتحب.. تبقى (عايز) تدخل فى علاقات عاطفية متواترة ومتلاحقة (وأحياناً متزامنة).. وانت من جواك (محتاج) حد يهتم بيك.. تبقى (عايز) تتشهر واسمك وصورك يتصدروا الجرايد والمجلات كل يوم.. وانت من جواك (محتاج) تُحترم.

طيب واحتياجاتنا الأصلية تروح فين؟

ننكرها طبعاً.. ونرفضها وننساها.. وكأنها ماتخصناش.. يعنى تبقى هاتموت من كتر (احتياجك) للحب.. وتقول أنا مش (عاوز) حد يحبنى.. تبقى (محتاجة) اهتمام كبير جداً.. وتشوفى انك ماتستاهليهوش.. نبقى هانموت من كتر الوجع.. ومستكترين على نفسنا الدوا..

بس خلاص.. خلصت..

تحولت لحد تانى غيرك.. انسلخت من نفسك لحساب الآخرين.. والباقى مكتوب فى فصل (نفسك الحقيقية ونفسك المزيفة) من كتاب (الخروج عن النص)..

فيه مصدر تانى للمخاوف اللى بتبقى مرتبطة بعَوَزاناتنا غير اللى بيتقال وبيتعمل بشكل مباشر من الأهل للأبناء.. ألا وهو اللى بيتشاف واللى بيتعمل بينهم وبين بعض، أو مع حد تانى.. يعنى الطفل يشوف أبوه وأمه بيتخانقوا فيخاف من الجواز.. البنت تشوف أمها بتتهان وتضرب فتخاف من الرجالة.. الولد يشوف طفل بيتعاقب فى الشارع علشان بيعيط، فيخاف يعبر عن مشاعره.. وهكذا..

رسايل الخوف بتوصل بأشكال مختلفة، مباشرة وغر مباشرة.. من الأهل والجيران والمعارف وغير المعارف والمجتمع بشكل عام.

طيب هانعمل إيه؟

وإيه هى الخطوة التانية بعد ما عرفنا احتياجاتنا (أنا محتاج….)، وعرفنا مبرراتها وأسبابها وأهدافها (علشان……..)؟

شوف يا سيدى..

الصراعات القديمة المخزونة جواك من نعومة أظافرك بين (عايز) بس (خايف) ، بتلقى بظلالها بكل إصرار على أغلب علاقاتك الحالية وحتى بعض معاملاتك اليومية.. علشان كده الصراعات دى محتاجة تتكشف وتتحل.. وإلا البديل هايكون إما انك تنعزل وتزهد فى الناس، أو إنك هاتقوم بتصميم وتنفيذ مجموعة لا بأس بها من (الألعاب النفسية) مع اللى حواليك.. أو إنك تعوز وتطلب احتياجاتك من مصدر تانى غير مصدرها الأصلى.. وكل دول فى الآخر هايخلوا كل -أو على الأقل معظم- علاقاتك تبوء بالفشل الذريع والمتكرر..

انت فى الخطوة اللى فاتت، عرفت انت محتاج إيه فى علاقة معينة (مع حد أو مع نفسك).. وعرفت انت محتاج ده ليه وعلشان إيه..

تعالى دلوقت نحاول نكتشف مع بعض إيه المخاوف الموجودة جواك.. إيه اللى مانعك تطلب احتياجاتك.. إيه اللى واقف فى طريق عوزانك .. هانستخدم صيغة بتقول:

“أنا عايز…………. بس خايف لحسن……………………….”

طيب.. عرفنا مخاوفنا.. وعرفنا تاريخها.. وعرفنا كمان مصدرها.. نعمل فيها إيه بقى؟ نسيبها تتنطط قدامنا زى العفاريت كده؟ نوديها فين يا دكتور؟ نحلها إزاى؟

حاضر..

فاكر لما قولتلك فى الفصل اللى فات إيه هى أول خطوة فى تغيير أى حاجة وأى حد؟

أيوه.. بالظبط..

القبول..

مشكلة الخوف هى إنك بتتخانق معاه.. بترفضه..  مش عاوزه.. والود ودك تقصه وتستأصله من جواك تماماً.. بس فى الحقيقة هو ده اللى بيزود حجمه ويخليه يكبر ويتعملق ويتحول لغول نفسي ضخم يوشك أن يلتهمك..

الخوف جزء أصيل من التكوين الإنسانى.. حجر أساس فى التركيبة النفسية السليمة.. زيه زى الحزن والضعف والخطأ.. الخوف هو اللى بيحركنا علشان نحمى نفسنا.. هو اللى بيدينا الدافع علشان ناخد قرارات حياتية حاسمة وسريعة تنقذنا من مواقف قد تودى بنا إلى الهلاك (النفسي أو الجسدى)..

الخوف غريزة فطرية تساعد على البقاء..

ولعلمك..

لولا خوفك،  لولا إنك قدرت تحمى نفسك وتكمل لغاية دلوقت..

أى نعم إنت حميتها بإنك تنازلت عن جزء منها..

وطلعت جزء غيره مكانه..

بس ده اللى كان قدامك وقتها..

ده كان أفضل المتاح بالنسبة لك..

ماينفعش تيجى بقى دلوقت وتكسر الدرع اللى حماك..

ماينفعش تتخانق مع حتة منك.. ماينفعش تتخلص من جزء فيك..

أى خناقة مع حتة منك هاتكون أنت الخاسر الوحيد فيها.. أى محاولة للتخلص من جزء فيك، لن ينتج عنها إلا تضخم هذا الجزء وتورمه بشكل سرطانى مميت..

أمال نعمل إيه؟

نقبله..

أيوه.. نقبل الخوف..

بعد ما اكتشفنا المخاوف..

وبافكرك تانى هنا إن القبول مش معناه الموافقة، ولا معناه الاستسلام.. بالعكس.. معناه الاعتراف بالموجود، من أجل علاجه وتغييره.

وصدقنى..

أول ما تقبل خوفك.. هايتضاءل ويتقزم وياخد حجمه الحقيقي..

وأول ما تعترف بمخاوفك.. هاتعرف تتعامل معاها..

طيب..

يبقى احنا عرفنا احتياجتنا المدفونة أو المؤجلة، لما قولنا “أنا محتاج…………علشان………..”، واكتشفنا مخاوفنا، وأخرجناها من كهفها المظلم، لما سيبنا نفسنا نكمل بتلقائية وشجاعة جملة “أنا عايز…… بس خايف لحسن……..”، وقبلنا كل اللى اكتشفناه، وفضينا الخناقة اللى بينّا وبينه، بعد كثير من الصبر والجهاد.. وكثير من الجروح والكدمات.. بس ولا يهمك.. دى كدمات محارب شجاع يخطو خطواته الأولى نحو نفسه..

تعالى بينا بقى على الخطوة التالتة..

خطوة الحقوق..

“أنا من حقى.. حتى لو………..”

الخطوة الرابعة

أنا قررت…

الخطوة الثالثة

من حقى…

الخطوة الثانية

أنا عايز..

الخطوة الأولي

أنا محتاج..

الخطوة الأولي

أنا محتاج..

الخطوة الثانية

أنا عايز..

الخطوة الثالثة

من حقى…

الخطوة الرابعة

أنا قررت…